الأدب • محمد نور جرادات Mohammadnour Alqutaish

قصص

كان صباحاً اعتيادياً مزدحماً بالحياة، وكانت الساعة حوالي التاسعة والربع عندما وصِلَ عمّي الأكبر "عمرو" رجل مُسِّن محترم، يتجاوز عمره ما بين- "80_90" عاماً؛ إلى مستشفى الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين في محافظة إربد، للمراجعة، وإزالة غُرز ...من جسده..!
أخبرني عمّي أنه على عجلة من أمره، لأن لديه موعداً في العاشرة والنصف صباحاً، فأخذت بعض الفحوصات الأولية لِجسده الذي اهترأ وعتق في خدمة الوطن؛ ودعوته للجلوس في قاعة الانتظار مدركاً أن الأمر سيستغرق أكثر من ساعة قبل أن يتسنى لأحد ما معاينته .
رأيته ينظر إلى ساعته فقررت أن أعاين جرحه نظراً لأنني غير مشغول مع مريض آخر، ومن خلال فحصِ له!! كان هناك جرحٌ قديم نُقِش على جسده؛ وقلت له ما هذه الكدمات الموجودة على جسدك..؟!!
قال هذا ما اقترفتهُ في المعارك والصراعات التي خضتها في الزمن القديم؛ وقال لي لا عليك من هذا، فلتُعاين الغُرز التي التهمتني ومصّت قدرتي على التحرك...
بسرعة ...!
خلال الفحص كان الجرح ملتئماً بشكل جيد لذا تحدثت إلى أحد الأطباء وحصلت على المعدات اللازمة لإزالة غرزه ومعالجة جرحه.
بينما كنت أعتني بالجرح سألته فيما إذا كان لديه موعد مع شخص آخر في هذا الصباح بما أنه كان على عجلة من أمره إلى هذه الدرجة، أجابني بالنفي ولكنه كان بحاجة لأن يذهب إلى السوق ليشتري هدية ويذهب بها إلى الحديقة العامة لتناول الإفطار مع صديقهُ الذي ناضلَ معه في ذلك الزمن، سألته عن وضعهُ الصحي، فأخبرني بأنهُ كان معه فَشَلٌ كلوي، وكان يعاني من ذلك كثيراً، فتبرعت لهُ بكلية منّي لكي أُخفِفَ عنه الآلام، وقال لي إنه صديقاً أفديه بروحي..!، وبدأ بسرد الأحداث التي كانت تجري في ذلك الوقت، عندما أتى فارس الأحلام لنا وللعرب ودخل الأردن بقوة وعزيمة لِمقاومة الاستعمار الأجنبي وتحرير البلاد، واستقبلناه استقبالاً حافلاً، عبّرنا فيه عن آمالنا ببدء عهد جديد من الحرية والاستقلال والتخلص من الظلم والاستبداد، وتطوعنا انا وصديقي الذي فداني بِدمه في الجيش الذي جاء مع الأمير عبد الله الأول ابن الحسين لنكن فِداءً له ولقضيته المباركة، وكان عمرنا -18-عاماً، وعمت الاحتجاجات الشعبية في مدن الأردن وقراها كافة للمطالبة بالاستقلال.
وفي يوم "٢٥ أيار عام ١٩٤٦ م" أُعلِنَ استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، أعلن استقلال الشعب الاردني، وبعد هذا الإعلان....!
عمت الفرحة في المدن الأردنية وقراها وبواديها وكل شبرٍ في المملكة، وجرت مراسيم الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة التي رأيناها بدخول الأمير عبد الله الأول ابن الحسين إلى الأردن، وجرت بتقديم وثيقة البيعة بالمُلك بحضور ممثلي الدول، وجرى استعراض حافل للجيش العربي شهده الآلاف من أحرار الأردن، كان يوماً عظيماً بيني وبين صديقي، ومنذ إعلان الاستقلال بدأت مرحلة النهضة، منذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، واستمرت من بعده في عهد الملك طلال بن عبد الله، ثمّ دخلت المملكة مرحلة البناء والتطور عندما حمل الراية الهاشمية الملك الباني الحسين بن طلال؛ قدمنا اروحنا فِداءً لطريقة المبارك، وحمل الراية الهاشمية من بعده الملك المعزز عبد الله الثاني ابن الحسين وارث الشرعية التاريخية والدينية التي تستند إلى نسب الهاشميين الموصول بالرسول صلى الله عليه وسلم، والدور المميز الذي قام به بنو هاشم في حمل راية الإسلام والدفاع عنه. الملك عبدالله الثاني هو ملك الانسانية في العالم كلّه، فأنا معجبٌ فيه كثيراً.
فوجئت وسألته " وأنت ما زلت تذكر كل تلك التفاصيل؟"
ابتسم وقال وهو يربت على يدي :
فلهذا أنا على عجلة من أمري لِلقاءِ صديقَ عُمري ورفيق دربي الذي أراه كل عامٍ مرةً واحدة؛ وهي بتاريخ الاستقلال العظيم . فأنا كل سنة أراه بالحديقة العامة بنفس التوقيت ٢٥ أيار، ونجلس ونعيد ذكريات ذاك الزمن، وننشِد النشيد الوطني ....
كان عليّ أن أحبس دموعي بينما كان هو يغادر، وانتابني قشعريرة في جسدي وفكرت وقلت :" عمرو، عمّي المناضل في خدمة هذا التاريخ المرموق الذي زرع نبتت الحرية والاستقلال في نفوس الأردنيين الأحرار، الوقوع في الحب سهل جداً، ولكن البقاء في حالة حب هو الأمر المميز."
#عمرو .
#محمدنور_القطيش .

الأدب • محمد نور جرادات Mohammadnour Alqutaish

Translate

تابعنا على فيسبوك

المشاركات الشائعة

من أنا